من أراد منكم أن يتذوق طعم التواضع بين إخوانه، فليصل الجمعة بين الأجانب من مختلف الجاليات المسلمة في مسجد خُصصت فيه الخطبة بلغة غير العربية.
قررت يوم أمس أن أصلي الجمعة في مسجد الردهان في مسقط رأسي .. منطقة الفنطاس، و كنت على علم بأن الخطبة فيه باللغة الإنجليزية، و لم تكن هذه التجربة هي الأولى، فقد صليت مرة في مسجد لا أذكر اسمه الآن يقع مقابل قصر السيف، كانت خطبته أيضا باللغة الإنجليزية .. التجربة الأولى كانت مصادفة و الثانية مقصودة.
سمعت مرة من الشيخ أحمد القطان حفظه الله أنه أحس مرة في نفسه عُجبًا لذيع صيته كخطيب مفوه معروف، فأحب أن يُرغم تلك النفس و أن يعيدها إلى جادة الصواب و يذلها، فما كان منه إلا أن صلى يومًا في مسجد الملا صالح في مدينة الكويت – إذا لم تخني الذاكرة – و بعد انقضاء الصلاة، كان قد أحضر معه "دلاقات" نوى أن يوزعها على المصلين من الجنسيات الآسيوية – بنغلاديش و الهند و باكستان مثلا – و لم يكتف بتوزيعها عليهم بعد الصلاة، بل أذكر أنه قال: "كنت أطلعهم من الكيس و أَلَبِّسْهُم .. البعض رفض حياءا من الشيخ و آخرون بكوا" !! حفظك الله يا شيخنا ..
لم أضرب ذلك المثال لأني أردت أن أشير إلى أنني أحسست بإعجاب بنفسي و بقدري، لكني أردت أن أوطن نفسي على الشعور بالتواضع و خفض الجناح لإخواني من المسلمين و خصوصا من الجاليات المسلمة المتنوعة .. ذلك الشعور الذي لم أُحس به بين المصلين من أهل ديرتي، لا أدري لماذا و لكني أفتقد مثل هذه الروحانية و الشعور بالطمأنينة في مساجدنا المزخرفة و العملاقة ..
دخلت المسجد، و اتخذت مكانا يمكنني من رؤية المصلين .. أردت أن أحس بتنوع الأجناس و الأعراق و أرى فيهم عظمة الإسلام الذي جمعنا على دين واحد ندين فيه لإله واحد .. الأحمر و الأصفر و الأبيض و الأسود .. جاؤوا من بلدان شتى بعضهم أسلم حديثا و الآخر وُلد لأبوين مسلمين .. فلله الحمد من قبلُ و من بعد.
رأيت في من أحضر أولاده حُسن توجيهه لهم مسبقًا من الالتزام بالهدوء و عدم الإكثار من الحركة، فبمقارنة بسيطة بين طفل كويتي و آخر باكستاني، وجدت أن الأخير قادر على ضبط حركاته كما لو كان بالغًا عاقلا !!
لأول مرة منذ أن دخلت الموبايلات المساجد، لم أسمع إزعاج نغمة بالخطأ تنطلق من جيب أحد المصلين بالأمس .. و قد تلاحظون دقتي في سرد تلك التفاصيل، هذا لأني كنت قد فكرت مسبقا و أعددت قائمة افتراضية بالأخطاء الشائعة التي يرتكبها ربعنا المصلين لأقارن .. و بما أنني أصلي في المسجد نفسه بعض الفروض من وقت لآخر فقد فكرت مسبقا بقضية صف الأحذية و النعل في الرفوف و الأماكن المخصصة .. و هذه النقطة كانت أحد النقاط الرئيسية التي فكرت فيها .. ما إن فرغنا من الصلاة .. جلست قليلا للتسبيح قبل أن أخرج، و إذا بي فعلا أرى الفرق واضح في طريقة صف الأحذية .. صحيح أن هناك من ترك حذاءه أو نعاله على الأرض في طريق الناس و هم قليل .. لكن مقارنة بمن صف حذاءه و وضعه في الرفوف .. فلا مقارنة إطلاقا !!
من ملاحظاتي أنني لم أسمع ارتفاع أصوات السلام و التحيات بين المصلين بعد انتهاء الصلاة .. حتى عند المدخل .. حرمة المسجد و خفض الصوت أولى .. و السلام و الكلام كانا خارج المسجد.
الشاهد من هذا و ذاك .. زيارة واحدة لمسجد كهذا و في مثل تلك الظروف، تُشعرك بانتمائك إلى دين عظيم و أمة عظيمة .. استماعي للخطبة باللغة الانجليزية كان تجربة جميلة، و الأجمل أن تسمع كلاما اعتدت على سماعه مئات المرات لكن بطريقة مختلفة هذه المرة .. هذه التجربة تجعلك تنظر للمسجد من زاوية أخرى .. تُشعرك بعظمة هذا المكان الذي و للأسف تقل مكانته و هيبته في نفوس الكثير من الشباب لاعتيادهم الروتيني على دخول المسجد و الخروج منه دون النظر إليه بأنه بيت من بيوت الله .. له حرمة و قدسية و تقدير ..
استماعي للخطبة بلغتهم .. تشعرني بإحساس الذي أسلم لتوه .. و هو ينهل من تعاليم الإسلام لأول مرة .. مصغيا لكل كلمة .. لكل جملة .. و وجودي بينهم مرتديا دشداشتي يشيع بينهم روح الألفة مع إخوانهم المسلمين من أهل الكويت و تغيير نظرة قد تكون موجودة عند بعضهم من أن السكان المحليين "شايفين نفسهم" ..
إن أحسست بقسوة في قلبك .. روح صل في واحد من هالمساجد .. صدقني يلين قلبك ..