استيقظت باكرا كعادتي في عطلة نهاية الأسبوع يوم الخميس .. و كعادتي أيضا .. أنتظر أن تبدأ برامج تلفزيون الكويت و التي إن لم تخني الذاكرة كانت تبدأ في الساعة 9 ص بالنشيد الوطني الطويــــــــــل ..
كنت أنتظر الشاشة الملونة أن تختفي مؤذنة بابتداء البث ..
و لكن عبثا انتظرت !! هناك أمر ما .. لمَ تأخر البث هكذا .. مرت دقائق و دقائق قبل أن أذهب لأخبر أمي بالموضوع ..
خالد: يما متى يفتح التلفزيون !؟
أمي - بارتباك - : ماكو تلفزيون .. خالد
إلى الآن أتذكر جيدا كيف كانت مرتبكة و هي تلبس حجابها و عباتها و تضع أغراضها اليومية في جنطتها و بسرعة غير اعتيادية .. إلى الآن أذكر تفاصيل الغرفة التي كنا فيها .. إلى الآن أذكر بيتنا الذي قُصف خطأً أيام الضربة الجوية فصار قاعاً صفصفاً لا ترى فيه عوجا و لا أمتا .. !!
خالد: ليش يما .. ليش ماكو تلفزيون .. الساعة 9 يحطون البباي !!
أمي: العراق دشت الكويت
خالد: شنو يعني !؟
أمي: الجيش العراقي دش الكويت .. غزونا
كنت أفكر ماذا يعني كل هذا !!
خالد: ليش تلبسين؟
أمي: بنروح إلى بيت يدك .. الكل متيمع هناك
خالد: هياااااا :) فلان و فلان و فلان و فلانة هناك :)))؟
لم أكن قد استوعبت الموقف بعد .. فماذا يعنيني وأنا ابن عشر سنين أن أسمع أن العراق بجيشه الغاشم قد غزا الكويت !!
في بيت جدي .. الكل موجود .. عمامي و عماتي و عيالهم .. و بدأت أتلقف الأخبار من هنا و هناك .. و انقشعت الغيوم التي حجبت رؤيتي و استيعابي لمعنى الغزو ..
رأيت الأوغاد عند نقاط التفتيش ..
رأيتهم يسرحون و يمرحون في الفرجان ..
رأيت المتاريس و الأسلاك الشائكة عند نقاط التفتيش ..
رأيت البيوت التي تحولت إلى نقاط سيطرة بعد تحطيم شبابيكها و استبدالها بطابوق ..
رأيت الخنادق ..
رأيت الدبابات و الآليات الثقيلة في الخطوط السريعة !!
رأيت الأزياء العسكرية العفنة ..
استمعت لصوت الجندي العراقي النشاز عند نقاط التفتيش ..
استمعت و شاركت بالتكبير على أسطح المنازل ..
رأيت الطلقات الحمراء التي شقت سكون الليل و أضاءته ..
قرأت عبارات التنديد بالغزو العراقي على حوائط المدارس ..
ركبت السيارة مع والدي وكان قد أخفى صور أحد أقربائي العسكريين معه و أحسست بأن ما نفعله خطر جدا خصوصا عند توقفنا للتفتيش ..
رأيت بعيني الشباب وهم يوزعون الأكل و البسكوت و الحلويات و الككاو على البيوت ..
عايشت لحظات خروج أهل الفريج من منازلهم للتجمع في سرداب أحد الجيران بعد ما دوت أصوات انفجارات و نيران
عايشت لحظات الإرهاب حين حاول أهلنا الخروج من الكويت من حدود المملكة العربية السعودية .. ناس طافوا و احنا ردونا على أصوات الرشاشات .. و هكذا افترقنا طيلة أشهر الغزو !!
بعد ثلاثة أشهر .. تمكنا من الخروج
لن ننسى